شريط إخباري ما زلنا قيد البناء والإعداد شبكة بيان رقم واحد الموقع الرسمي لسماحة السيد حسين محمد وزنه
 
 
 
 
بيان العاشر من المحرم لسماحة السيد حسين محمد وزنه لشهر محرم لسنة 1444 هجرية
   
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والحمد لله رب العالمين الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر يكون بعده الذي عجزت عن روؤيته أبصار الناظرين وقصرت عن نعته أوهام الواصفين الذي كل شيئ خاشع له وكل شيئ قائم به غنى كل فقير ومفزع كل ملهوف من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره والصلاة والسلام على سيدنا وقائدنا ومعلمنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الإنس والجن أجمعين من لدن آدم إلى قيام يوم الدين

نستعرض في هذا البيان حال سيد الشهداء وعائلته وأصحابه عليهم السلام في يوم العاشر من المحرم وبعده

أولا الخروج من المدينة كان صعباً على حضرة سيد الشهداء عليه السلام لأنه كان في مدينة جده محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفيها كان يرى الحياة له مع عائلته حتى وصلت إلى مسامعه عليه السلام بأن يزيد قرر قتله حتى ولو كان معلقاً بأستار الكعبة ووصلت رسائل أهل الكوفة لتلقي الحجة عليه بالخروج إليهم فأسرع بالرحيل عن مدينة جده صلى الله عليه وآله وسلم وهو يعلم في قرارة نفسه بأنه لن يصل الكوفة وبأن نزوله سوف يكون في كربلاء وموطنه سيكون فيها شهيدا مع أولاده وإخوته الأخيار الأبرار وسلة من خيرة الأصحاب

 

الإرادة الحسينية الصلبة التي ظهرت في كربلاء أذهلت الجيش الأموي الذي كان يعتقد بأن حضرة الحسين عليه السلام سوف يخاف ويلين ويسلم له ولكنه فوجئ بالعزيمة الحسينية وبالصلابة الحسينية وبالإصرار الحسيني على المواجهة حتى الشهادة

 

الجيش الأموي حاول بشتى الطرق والوسائل بث روح الهزيمة والإنهزام والفرقة في صفوف الجيش الحسيني عبر نشرالإشاعات والأكاذيب والأضاليل ونشر الرعب والخوف في أوساط الملتحقين بالحسين عليه السلام الذين كانوا بالآلاف في بداية الأمر وقد نجح إلى حد ما في زعزعة تلك النفوس الضعيفة التي إنضمت إلى حضرة الحسين عليه السلام من أجل المناصب أو من أجل المال أو طمعاً في الجاه أو في الدنيا لأن البعض ممن كان يرافقه عليه السلام وتركه في الطريق أو في الايام الاولى أو في ليلة التاسع من المحرم وانهزم كان يعتقد ويفكر بأن حضرة الحسين عليه السلام سوف يصل إلى الكوفة ويتسلم الحكم ويوزع المناصب والجاه على من كان معه في القافلة ولكنه عندما رأى الجيش الأموي وصدق الإشاعات وسمع من حضرة الحسين عليه السلام بأنه لن يصل إلى السلطة وإلى الحكم بل أنه عليه السلام سيصل إلى الشهادة كل هؤلاء الذين كانوا يحيطون بالحسين عليه السلام من أجل الدنيا إنهزموا عنه وتفرقوا واتخذوا الليل جملاً طريقاً للهروب وبقيت السُلة المؤمنة معه وقاتلت حتى الشهادة

 

الحسين عليه السلام ليلة التاسع من المحرم أشرق وجهه كفلقة بدر طالع وقد بان ذلك النور الحسيني ظهر يوم عاشوراء جلياً واضحاً حتى إضطرب الأعداء منه فقد كان يتقدم المبارز إليه وما إن ينظر إلى وجهه وإلى ذاك النور الحسيني حتى يرتعد ويخاف ويلقي السيف من يده ويفر

 

حال النساء في المخيم الحسيني كان حال ترقب ووجوم فمنهم من كان أمام خيمته يترقب الماء ومنهم من كان يبكي ويلطم شهيداً ومنهم من كان ينظر إلى غبار المعركة ومنهم من كان ينتظر عزيزاً يعود من أرض المعركة سالماً غانما ولكن قلوب الجميع وعيون الجميع كانت متوجهة ومصوبة إلى وجه حضرة المولى أبي الله الحسين عليه السلام لأنهم كانوا ينشدون السلامة له عليه السلام ويستأنسون بوجوده ويرون أنه ما دام موجوداً إلى جانبهم فإن الإطمئنان والسلامة حليفهم مع شدة خوفهم وعطشهم كان وجوده عليه السلام يعطيهم ويبعث فيهم الأمل والعزيمة والقوة في الصمود والصبر والإستعداد لما هو آت في القريب العاجل

 

ذهول رملة أمام جسد القاسم عليهم السلام لا يمكن وصفه فالكلمات تقف عاجزة عن وصف حالة الذهول التي عاشتها رملة أمام القمر الحسني الممدد على تراب كربلاء والمخضب بعبير الشهادة

 

شهادة القاسم ابن الإمام الحسن عليه السلام كان لها وقع كبير فيما بعد في قلوب المحبين والموالين فقد حركت تلك الشهادة المباركة المشاعر والأحاسيس وألهبتها وأخرجتها من حالة الخوف إلى التمرد والثورة على الطغيان وأدخلت القوة والحماس إلى قلوب المحبين أينما كانوا

 

البسالة القاسمية في ساحة المعركة في يوم العاشر من المحرم كان مشهوداً لها بالقوة والبأس والعنفوان لأنها كانت مجبولة بالإيمان الحسني وبالوعي الحسني وبالبطولة الحسنية حتى الشهادة الحسنية

 

القاسم عليه السلام في يوم العاشر من المحرم كان يراقب عمه الحسين عليه السلام وهو يتحين تلك اللحظة التي تسنح فيها الفرصه للقتال لكي ينصر عمه الحسين عليه السلام حتى إذا ما جاءت تلك اللحظة تلئلئ وجهه كفلقة بدر طالع في ساحة العاشر من المحرم كأنه الإمام الحسن عليه السلام حتى تعجب القوم من بأسه وقوته وبسالته عندما قاتل في المعركة التي جندل فيها الأعداء الأشداء

 

بروز علي الأكبر في العاشر من المحرم في الميدان للقتال كان بحد ذاته أسطورة ملحمية بل روعة حسينية تمشي على أهداب كربلاء

 

عندما سقط علي الأكبر شهيداً في كربلاء في يوم العاشر من المحرم تغير معه لون الوجود الحسيني في كربلاء بحيث لا يمكن وصف حال وأحاسيس ومشاعر الحسين عليه السلام في تلك اللحظات إلا ببضع كلمات قالها عليه السلام بعداً لقوم قتلوك يا بني ما أجرأهم على إنتهاك حرمة الرسول يا كوكبا ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الأسحار

 

رؤية حال ليلى لعلي الأكبر عندما عاد به شباب بني هاشم والحسين عليه السلام من خلفهم منحني الظهر باكياً لا يمكن وصفه فهي تارة كانت تنظر الى علي الأكبر باكية لاطمة وتارة تنظر إلى وجه المولى أبي عبد الله الذي كانت العبرات تنسكب من عينيه كأنها شلال سرمدي لا يتوقف أبدا فكانت تبكي مفتجعة لبكاء الحسين عليه السلام لما كانت تعرفه من تعلقه بعلي الأكبر شبيه رسول الله خلقاً وخُلقاً

 

عند الحديث عن عبد الله الرضيع عليه السلام سفير الدمعة الحسينية الساكبة تجيش المشاعر والأحاسيس وتتدفق وتسيل كأنها بحر هادر لا يتوقف فأمام مشهد الطفل الحسيني يقف الكلام عصياً حائراً عاجزا أمام عطشه كيف لا وهو الذي كان يتهادى على شفير عطش الفرات كأنه طير مذبوح حتى إذا ما نبت السهم في المنحر الشريف وسال الدم الذكيُ على أكف الطهر رمى به الولي الحسيني نحو السماء منادياً إلهي تقبل مني هذا القربان إلهي تقبل مني هذا الفداء لتتغير بعدها معالم ساحة الموجودات وينبهر الطُهر بسحر القداسة الحسينية وترفرف روح الطفل بثوبها الدامي نحو السماء

 

عندما عاد أبي الضيم بالطفل الرضيع إلى أمه الرباب ووقع نظرها عليه كادت روحها أن تفارق الدنيا فأمام تلك الواقعه وهول تلك المصيبة وقفت تنظر باكية إلى وجه الطفل النائم بلا حراك على يدي المولى أبي عبد الله وفجأة ينقلب المشهد عاصفاً أكثر يقع نظرالرباب على يدي الطفل تعتنق رقبة الحسين كأنها تقول فداك نحري يا حسين سلمت يا حسين أنا فداء لك يا أبتي ضمني إليك ضمني إلى نحرك الدامي في العاشر يا ضيا عمري فتسقط الرباب من هول ما رأت ويتوقف الكلام عن الكلام ويصمت الصمت وينحني إجلالاً وتعظيماً أمام الشهادة الحسينية

 

بروز بني هاشم إلى الميدان كان بروزاً غير عادي كانوا شعلة حماس كبحر هادر في الهجوم والدفاع والتصدي قوة محمدية حيدرية فاطمية تجللها إرادة حسينية وتطوقها قوة عباسية أما بروزهم في ميدان القتال فكان من أجل الدفاع عن الدين وعن الصلاة وعن الصيام كان من أجل العقيدة المحمدية التي كانوا يحملونها لذلك قيل بأن بروزهم للقتال كان غير عادي كانوا كبدور طالعه في عز النهار يحجب ضوءهم ضوء الشمس يتهادون قوة وشجاعة فوق رمال الصعيد كأنهن علي ابن أبي طالب من حيث الشجاعة في الميدان

 

قيل عن خروج فتيان بني هاشم للقتال خرجوا أو طلعوا كأنهن الياقوت والمرجان كلما برز أحدهم للقتال وسقط شهيداً برز الآخر ليكمل المسير الحسيني نحو الشهادة حتى إحتار فيهم الجيش الأموي وقي قوتهم وبأسهم وشجاعتهم

 

لا يمكن وصف البدور التي سطعت في كربلاء فكل واحد منهم كان بحد ذاته حكاية لا تنسى بل قمر سرمدي يشرق على مدى الأزمان فمن البدر العباسي على شاطئ العلقمي إلى البدر القاسمي إلى البدر العلوي بطولات تروى عن أعظم تضحية وإيثار في التاريخ وعن شعلة حق لا ولن تنطفئ أبداً

 

شهادة أولاد السيدة زينب عليهم السلام أدخل معناً آخر من معاني القوة والصمود والعنفوان والثبات إلى قلب الحوراء زينب فبهما إرتفعت وأصبحت أماً للشهداء بعدما كانت ابنة لشهيد المحراب وابنة لصديقة شهيدة

 

الشهادة كانت عنوان من عناوين حياة السيدة زينب عليها السلام فقد كانت إبنة شهيد وإبنة شهيدة وأخت لشهيد وأصبحت بعد معركة كربلاء أخت للشهداء وأماً للشهداء وعمة للشهداء وخالة للشهداء وكافلة لأولاد الشهداء ولم يزاحمها على مرتبتها هذه أحد فيما بعد إلى يومنا هذا بل إلى يوم القيامة

 

إرادة التحدي والصمود الزينبي في وجه الطغيان الأموي تجلت في كربلاء في الدفاع عن حضرة زين العابدين عليه السلام وعن العترة الهاشمية وأما قمة تجليه فكانت في مجلس الطاغية يزيد ففيه إنتفض الفيض الزينبي والنبض الزينبي وقام كجيش يقاوم الطغيان كله مسجلاً أروع إنتصار عليه بالكلمة والموقف والأداء لذلك قيل بأن الوعي الزينبي العلوي الفاطمي المُكلل بالحُسنِ العباسي والمُعطر بالأريج الحسيني السامي هو الذي حفظ معنى الشهادة في كربلاء ولولاه لغاب وطُمِس وإندثر

 

الوعي الزينبي في كربلاء هو الذي حفظ تاريخ ومعنى العاشر من المحرم ولولاه لضاع كل شيئ ولما بقي منه شيئ فهو الذي حفظ و شرح حقائق الثورة الحسينية وهو الذي أبرز مظلومية الحسين وأهل بيته عليهم السلام وهو الذي أبرز المضامين السامية والعالية لثورة الحسين عليه السلام وشهادته مع عائلته وأصحابه ولولاه لضاعت الحقيقة كلها وطمست

 

الحراك السجادي والوعي الزينبي هما اللذان فضحا أضاليل وفساد بني أميهً للعوام ولولاهم لكانت طمست معاني الحركة الحسينية بأكملها وضاعت ولكن الوعي الزينبي والحراك السجادي هما اللذان أفشلا المخطط الأموي في القضاء على أهل بيت النبوة ومعدن الرساله بل وفي القضاء على الإسلام كله

 

الحركة الحسينية في كربلاء أعطت صوراً ناصعة البياض في الوفاء والجود حتى في اللحظات العصيبة كانت تتجلى معانً عميقة في التضحية والإيثار بالنفس وتلك المعاني والصور هي التي حركت المشاعر والأحاسيس التي كانت تعيش في ذلك الوقت حالة من الخوف والخنوع فكانت السبب الرئيسي في القيام بالثورات على مر الدهور والعصور

 

من الصور العاشورائية في كربلاء التي حركت المشاعر وألهبت الأحاسيس بروز أطفال حضرة الحسين وأولاد الإمام الحسن وأولاد السيدة زينب عليهم السلام أطفال لم يبلغوا الحلم كانوا يتسابقون إلى ميدان السعادة الذي ليس فوقه سعادة وكيف لا يكون وهو بين يدي الحضرة الحسينية المقدسة في العاشر من المحرم

 

في كربلاء في يوم العاشر من المحرم كانت النفوس الأبية للأصحاب الوفيه تتسابق لنصرة سيدها الحسيني الواقف بباب الخيمة الزينبية التي تحرسها الحضرة العباسية حتى اذا ما سقطت في ميدان الشهادة كانت تنادي لبيك ياحسين لقد وفيت بعهدي لقد وفيت بعهدي فيأتيها النداء الحسيني ملبياً وعليكم السلام إنا لله وإنا إليه راجعون إنا عليكم مفتجعون وإنا بكم لاحقون

 

طوبى لأصحاب الحسين عليه السلام الكرام البررة الذين نصروه في يوم العاشر من المحرم بكل ما يملكون من فوة حتى قال فيهم سيد الشهداء سلام الله عليهم لم أرى أوفى وأبر من أصحابي

 

الأصحاب البررة لسيد الشهداء عليهم السلام كانوا بتسابقون الى ميدان الشهادة ولكن قلوبهم مع ذلك كانت تراقب ذاك الوجه الحسيني المشرق في أرض كربلاء كأنه كوكب دري يلمع مدهوشين مأخوذين بجذبة حسينية إلى سيدهم الحسيني العلوي المترقب لساعة نزوله الى ميدان الشهادة ليسطر أروع ملحمة عاشورائية كربلائية في التاريخ

كانت دموع أصحاب الحسين عليهم السلام تنحدر أثناء قتالهم خوفاً على سيدهم الحسين عليه السلام كانت دموعهن تنهمر لتكتب فداك نفسي وروحي ودمي ووجداني يا أبى عبد الله سلمت وسلمت روحك وقلبك حبيبي يا حسين حتى إذا ما سقط أحدهم كان ينادي عليك مني السلام يا أبى عبد الله هل وفيت بعهدي هل وفيت بعهدي

 

حالة العباس عليه السلام في يوم العاشر من المحرم كانت تدعو إلى العجب والذهول فقد كان عليه السلام ينتقل من خيمة إلى خيمة يتفقد العائلة والأطفال ومن بعدها يتوجه إلى الميدان ليقف بجانب حضرة سيد الشهداء عليه السلام يراقب مجريات المعركة لحظة بلحظة كانت لحظات عصيبة عليه بلكاد كان يتحملها أو يطيقها خاصة عندما كان يرى أطفال العترة الهاشمية تتلوى من العطش سائلة الماء أمام هول تلك المصائب وعظمها كانت غيرة وعزيمة العباس عليه السلام تقوى وتشتد مطالبة حضرة الحسين عليه السلام بإعطاءه الإذن للقتال ولكنه كان يستمهله عليه السلام بالقول لم يحن الوقت بعد تريث يا حامل اللواء تريث يا حامل اللواء . تريث يا ليث العراق والحجاز

 

زينب كانت تنظر إلى حضرة العباس عليه السلام مطمئنة بوجوده ولكنها في نفس الوقت خائفة من لحظة الفراق الذي كان لا بد أنه سيحين وكانت تدعوا أن يطول الوقت حتى تكتفي من النظر إلى حضرة العباس عليه السلام الذي كان السند والقوة التي تتكئ عليها سليلة المصائب

 

عندما أعطى حضرة الحسين عليه السلام الإذن للعباس عليه السلام لجلب الماء للأطفال الصغار توجه العباس عليه السلام إلى خيمة حضرة السيدة زينب عليها السلام ليستئذنها ويودعها كان ذلك اللقاء العباسي الزينبي لقاءً مملوءً بالمشاعر بمعان لا يمكن وصفها وبمفردات عزى وقل نظيرها فزينب عليها السلام كانت تعرف في قرارة نفسها بأن العباس عليه السلام لن يعود وبأنه الوداع الاخير كانت تنظر إلى وجه أخيها النوراني والدموع تنحدر من عينيها كأنها سيل لا يتوقف والأطفال متحلقون من حوله يبكون ويسألونه الماء وهنا دقت ساعة الرحيل فاعتنقت سليلة المصايب حضرة القمر الهاشمي ونادت الوداع الوداع يا ثمرة فؤادي ويا روحي التي بين جنبي والعباس يحتضنها ويقبلها وتنحدر الدموع من عينيه كأنها بحر هادر يجرف كل حواجز الإشتياق حتى الفرات

 

إستشهاد العباس عليه السلام حرك المشاعر والأحاسيس في أرجاء المخيم الحسيني التي كانت تنتظر عودته بالماء فإذا بالخبر الصادم يأتي إليهم بأنه قد إستشهد عند نهر العلقمي فضج المخيم بالبكاء على حلو الشمائل حامل اللواء وساد بعدها صمت رهيب وحالة ترقب وذهول واتجهت القلوب والعيون إلى حضرة سيد الشهداء عليه السلام الذي كانت الدموع تنحدر من عينيه كأنها سيل جارف لا يهدأ منتظرة ساعة الوداع الحسيني الأخير

 

حال رقية كان مؤلماً في يوم العاشر من المحرم يقال بأن المرض إشتد عليها حتى أصبحت طريحة الفراش دائمة البكاء تسأل عن أبيها حضرة الحسين عليه السلام الذي كان يأتي إليها ليهدئ من روعها ويحيطها بحنانه الحسيني المعهود ولكن عندما حان وقت النزول إلى المعركة دخل عليها وكان حال المرض قد إشتد عليها أكثر فجلس عندها يمسح على رأسها ويقبلها ويودعها عاطفة الحسين عليه السلام كانت كأنها بحر من العواطف إلتفت حول المخيم الحسيني حتى وصلت إلى الفرات لتعانقه كأنها تقول سنبقى معاً حبيبتي رقية لن نفترق سنبقى معاً لن نفترق فهنا محط رحالنا وهنا تسفك دماءنا وهنا يعلو المجد الحسيني عبر التاريخ صرحاً ممرداً كأنه الزبرجد الأخضر والياقوت الأحمر وهنا تستأذن الخيمة سيدها لتهمس ببقية القصة في أذن الطفلة قائلة عزيزتي رقية يحكى أن وردة حمراء ستزرع في الشام تعانق الأقحوان فتسحر بجمالها الأكوان وتبكي لمصائبها الشجر والحجر فتغفو الطفلة هانئة مستبشرة راضية على كفي القمر

 

وداع سيد الشهداء للعائله لا يمكن وصفه بأي حال من الأحوال ومع ذلك نصف بعض ما وصل إلينا بداية عندما إستعد الحسين عليه السلام للقتال وخرج من خيمته ساد صمت رهيب المخيم الحسيني وتحلق كل من كان في المخيم حول المولى مدهوشين حائرين قد أنهك العطش قواهم ولكن الحنين والعشق كان يشدهم ويجذبهن إلى سيد شباب أهل الجنة الراحل عنهم للموت كان الوداع مروعاً ومؤلماً فقد ضج المخيم بالبكاء وأحاط بالحسين عليه السلام النساء والأطفال من كل جانب تلك تقول إلى أين يا رجانا وتلك تقول إلى أين حمانا وتلك تقول ريض يا والينا وتلك تقول يا سندي وتلك تقول يا عمادي وتلك تقول إلى أين يا نور بصري وسكينة في سكون عميق مذهولة بما ترى يسكنها الإستغراق في الله وزينب تتجه تارة إلى المدينة تنادي يا فاطمة وتارة تتجه للنجف منادية يا علي والحسين ينظر للسجاد وهنا نقف عن الكلام إحتراماً لحساسية الموقف المؤلم والمفجع والسلام

 

وصول خبر إستشهاد حضرة الامام الحسين عليه السلام إلى المخيم كان عبر الفرس الخالي من راكبه فخرجن النساء عندما سمعنا صهيل الجواد وتحلقن من حوله لاطمات باكيات وأحطنا بزينب عليها السلام التي أسرعت بإتجاه الميدان بحثاً عن عزيزها الحسين عليه السلام وهنا تقف الساعه ويقف التاريخ مشدوداً مذهولاً إلى تلك اللحظات الحسينية الأخيرة لحضرة سيد الشهداء عليه السلام مع أخته زينب ويقف الكلام ويتنحى مفسحاً المجال لهما للوداع الأخير

 

بعد شهادة الحسين وأولاده وإخوته وأصحابه عليهم السلام هجم جيش الكفر على مخيم الطُهر الحسيني ليحرقه وينهبه وأثناء الهجوم سقط العديد من الأطفال شهداء إما دهساً بالخيل وإما حرقاً وقد فر أثناء الهجوم العديد من الأطفال إلى الصحراء منهم أولاد مسلم ابن عقيل سفير الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة

 

أثناء الهجوم على المخيم الحسيني حاول الأمويون قتل الإمام زين العابدين علي ابن الحسين عليهم السلام ولكن الموقف الصلب والشجاع الذي إتخذته السيدة زينب حال بينهم وبين القيام بذلك فقد كان موقفها عليها السلام صلباً وقوياً وحازماً بحيث أرعب المهاجمين وردعهم وصدهم عن قتل الإمام السجاد عليه السلام

 

اولاد مسلم ابن عقيل كانوا حالة فريدة في التاريخ فلشهادة المكتوبة لهم بالكوفة كان لها وقع وأثر في زوال الحكومة الأموية من الكوفة في ذلك الوقت فهي من الأسباب التي عجلت بقيام المختار بثورته بعد سماعه لقصة شهادتهم المؤلمة

 

خطبة الإمام زين العابدين عليه السلام في مجلس يزيد فضحت الحكم الأموي الذي كان يرتدي عباءة الإسلام غصباً وزوراً وبهتاناً

 

لا يمكن وصف حالة حضرة الإمام علي ابن الحسين زين العابدين عليه السلام إلا بعد جلاء غبار المعركة فبعدها أصبح هو القائد وربان سفينة النجاة الحسينية في بحر الصحراء الهادر بالجيش الأموي المجرم ففي العاشر من المحرم بدأت مسيرة الإمام السجاد في قيادة سفينة الإمامة الحيدرية المبحرة في بحر الشهادة الحسينية

 

خطبة الإمام علي ابن الحسين عليه السلام في مجلس يزيد زلزلت أركان الحكم الأموي المجرم وفضحته وأضعفته وكان لها تأثير بالغ حتى يومنا هذا في شحذ الهمم وفي إنتصار الحق على الباطل

 

سلاح علي ابن الحسين عليه السلام كان بالكلمة وبالموقف المواجهة التي خاضها في مجلس ابن زياد وفي مجلس يزيد كان لها الأثر البالغ في دك حصون الحكم الأموي وفي نهاية حكم يزيد وابن زياد بعد ذلك

 

خطبة السيدة زينب عليها السلام في مجلس يزيد كانت مجلجلة بحبث أن يزيد لعنة الله عليه إرتعب وخاف من بلاغتها وفصاحتها وقوتها على الصمود والمواجهة بعد كل ما عانته عليها السلام في كربلاء وفي مجلس إبن زياد وفي الطريق إلى الشام

 

إخواني الأعزاء إن مسؤوليتنا جميعاً تحتم بل تفرض علينا بأن نكون حاضرون في كل الساحات ساحات المواجهة مع النفس ومع الذات في مواجهة الشياطين شياطين الإنس والجن من أجل الإصلاح في البيت وفي العائلة وفي البيئة وفي الحي وفي البلدة وفي المجتمع وفي الحوزات وفي البلدات وفي المجالس والهيئات والوزارات والحكومات لأن شعار الحسين عليه السلام كان الإصلاح ومن أجله إستشهد هو وعائلته وأولاده وإخوته وأصحابه ونحن علينا واجب ديني وشرعي وأخلاقي في مواصلة نهج الحسين عليه السلام في الإصلاح والكفاح من أجل مجتمع رسالي حقيقي حتى نكون جديرين بحمل الأمانة وإلا كنا مع يزيد وابن زياد وابن ذي الجوشن لعنة الله عليهم

أعزائي علينا أن نحمل القرآن بيد والسيف باليد الأخرى ونمضي في سبيل الإصلاح الحقيقي في مجتمعاتنا علينا نبذ الأنا والخلافات والعصبيات الفكرية والقبلية والعشائرية التي أدت في ذلك الوقت إلى قتل أولاد رسول عليهم السلام في كربلاء

أحبائي إن النهضة الحسينية المباركة هي الطريق السوي والقويم إلى جنات النعيم وهي ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالنهضة المهدوية المباركة والرشيدة لحضرة بقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف لذا علينا أن نهيئ أنفسنا وبيئتنا ومجتمعاتنا للإنخراط فيها ونصرتها في المستقبل القريب إنشاء الله تعالى

إخوتي الأعزاء إن نصرة الحسين عليه السلام والتشرف بلقاء صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف لا تكون لتارك الصلاة ولا لتارك الصيام ولا لتارك الإصلاح في البيئة والمجتمع

لذا علينا مسؤولية عظيمة في الإصلاح في المجتمع لأننا بذلك نحافظ على إرث ورسالة الحسين عليه السلام في كربلاء. إخواني علينا أن نتصالح مع ذاتنا وفيما بيننا وأن نعمم روح الألفة والمحبة ومن بعدها أن نشمر عن سواعد الهمة من أجل العمل الخالص في سبيل الله تعالى والله ولي التوفيق

واخيرا أيها الحسينيون المرابطون في ثغور المواجهة ضد الباطل إن نداء الحسين عليه السلام ألا من ناصر ينصرنا منذ 1383سنة ما زال حتى الآن يصدح ويطلب الناصر والمعين والكفيل ما زال يصدح أنصرونا بالإصلاح في بيوتكم وفي مجتمعاتكم وفي تياراتكم وأحزابكم وتنظيماتكم لا تهادنوا ولا تهدأوا حتى لا تفشلوا وتذهب ريحكم تعاونوا تآخوا واصبروا وصابروا وما النصر إلا من عند الله العزيز الجبار والحمد لله رب العالمين والسلام

 

لتصفح أفضل للموقع يرجى إستخدام متصفح الأنترنت إكسبلورر . كما أننا ننصح بترقية متصفح انترنت اكسبلورر إلى آخر إصدار

Web analytics powered by Bayanone.org Organization - جميع الحقوق محفوظة لمجموعة شبكات الولاية - بيروت - لبنان